مفهوم المبدع الشامل في تجربة المسرح الفردي

محمد نوالي (حفل تقديم الكتاب في وجدة – 14 مايو 2016)

 

 

توطئة

يبتدر الطاهر الطويل جملة من الأسئلة التي تثار حول المسرح الفردي منها التسمية  وهل هو اتجاه يرقى إلى مصاف الاتجاهات المسرحية  هل له جذور تاريخية أم انه حال ظرفية طارئة .

من هنا يتوضح هاجس الكتاب كما يحدده صاحبه  ملامسة جوانب تلك الإشكالات  في ضوء تجربة الفنان المسرحي  عبد للحق الزروالي.

وعلى هذا الا ساس  قسم الكتاب إلى ثلاثة فصول

ـ هوية المسرح الفردي

تجربة عبد الحق الزووالي

قراءة في مسرحية “رحلة العطش”

هو كتاب فريد لتجربة فريدة تحتاج إلى وقفات تأمل. ويعتبر هذا المؤلف بداية تحتاج إلى مواصلة.

حين استلمت كتاب الأستاذ الطاهر الطويل عن تجربة المسرح الفردي في الوطن العربي منطلقا من تجربة عبد الحق الزروالي التي استمرت أربعة عقود أنتج فيها الرجل أربعين عملا فرديا وعشر مسرحيات جماعية. بمعدل مسرحية فردية كل عام. شعرت بضرورة العودة إلى أعماله والإنصات إليها مجددا فلم أجد بين أيدي إلى عدد قليل من المسرحيات المطبوعة  وبعضها تم تصويره على الفيديو في اليوتوب.

تساءلت كيف يمكن لهذا المهوس بعشق المسرح أن يستمر في العطاء بالحماس ذاته دون كلل وبالوتيرة نفسها؟ كيف يمكن لرجل واحد أن يصنع فرجة تمتد لأكثر من ساعة ونصف  يتابعه فيها جمهور لا يفارق مقاعده إلا إذا نتهى العرض. جمهور متعدد  في المكان والزمان أي منذ سنة 1975 إلى  العشرية الثانية من الألفية الثالثة. يعبر إليه قاطعا كل المسافات “في جولات متتالية عبر قرطاج ودمشق وبغداد والقاهرة وطرابلس وطورينطو بإيطاليا وباريز ومدريد.” [i] ؟

يسافر إليه حاملا قضيته ومحملا بهمومه وهواجسه وجراحاته  وأحلامه التي يود أن تلخص كل هموم هذا الوطن العربي الكبير عبر أحقاب عرف  الواقع فيها تغيرات جوهرية وكارثية حبلى بالمفارقات والتناقضات على المستوى المحلي والقومي. بالدرجة التي اهتز فيها كياننا الثقافي والفكري.. طرح قضيته في مسرحه ومسرح قضاياه بإحساس الفنان الشامل الذي تتقاطع فيه، وفي إنتاجه شخصية المؤلف والممثل والمخرج.

هذا الرحالة الجواب في تضاريس هذا الوطن الكبير ومشاكله في “رحلة العطش”  من خلال شخصية ربيع هذا المواطن العربي  الباحث عن هويته في مساحة الوطن العربي الذي تقطع أوصاله الحدود والإيديولوجيات والسياسات القطرية كيف أمكنه تجسيد مشهد الإنسان العربي التائه الذي يشعر بانتماء إلى تاريخ مشترك وتراث ولغة ويعيش تجزئة  بالدرجة ذاتها الذي يتقمص فيها حلمه المفارق المجهض.

كيف توفق هذا المبدع في رحلته أن من يتقمص أدوارا مختلفة ويتشظى في كل الأزمنة والأمكنة في القرية والرحلة وأفضية المدينة وفي التراث محاورا ومقتبسا وموظفا. يحاول أن ينسج من مسرحه ألوانا مختلفة في تشكيلات تفعل المرايا فيها فعلتها

من أجل ذلك كان السؤال لماذا نحتاج إلى قراءة منجز الزروالي الذي رسم لإبداعه ثالوثا فرديا يجمع فيه بين شخصية المِؤلف والمخرج والممثل.

وهو منجز غزير متواصل من عقود غير أن هذه الغزارة قوبلت بنوع من الإهمال والحيف. الذي حاول الطاهر الطويل رفعه عنه بكتابه المونوغرافي هذا.

ذلك أنه كما يذهب الطاهر الطويل “رغم غزارة ما أنتج، نسبيا، حول المسرح المغربي، فإننا لا نكاد نجد بحثا أو دراسة مستقلة تتناول “المسرح الفردي”، إلا شذرات ذيلت بها بعض المؤلفات، لا تتجاوز الإشارات العابرة أو قراءة لبعض النصوص أو إسهابا في الحديث عن تجربة معينة، كما هو الأمر مع “عبد الحق الزروالي”، رغم أن هذا الحديث نفسه، لا يخرج عن كونه مقالات متفرقة أوحوارات، يغلب عليها الطابع المناسباتي، إذ غالبا ما تكون بعد مهرجان أو تقديم عرض مسرحي، لا ترقى إلى التناول العلمي. وكثيرا ما يتأرجح الكلام عن هذا النوع من المسرح، بين وسمه بالظاهرة تارة والتجربة تارة أخرى، والتيار، والاتجاه ” كما يصرح أحد الباحثين. اللهم لا استفاقة المتأخرة التي تشكلت في كتاب الطاهر الطويل . تحتاج إلا الاستكمال والمواصلة.

إذ من اللازم إخضاع هذه التجربة الممتدة على مدى أربعة عقود للدراسة والتتبع من منطلقات تأخذ خصوصياتها.. بالنظر إلى كونها مشروعا منفتحا، وحركة مفتوحة على الإشكالات الأساسية المعبرة عن وجهات نظر. عايش فيها صاحبها عقوداً كانت من أدق العقود إشكالاً .في تاريخنا. أضحى فيها إنساننا وواقعنا وحضارتنا ووجودنا محل استفهام مُشّرع على احتمالات وتحدّيات كبرى

وعليه، فيلزمنا هذا المشروع مراجعة بعض أحكامنا التي كوّناها عليه. وعلى صاحبه. ولنستمع إليه مرة أخرى من خلال صوته المباشر، ومن خلال صوته الذي يتقمص أدوارا شتى منها دور العارف والحلايقي. فهي الأبلغ  في التعبير عنه، وعن مشروعه وحركاته. وقد تكون شخصياته مجرد أصوات تأتينا من بعيد، مقنعة تارة، كما صوت النفري في إشراقاته الممتزجة بحلم الواقع في مسرحية “كدت أراه” التي تقوم على الازدواج والتضعيف في الخطاب المتراوح بين التجليات الصوفية والكشف الواقعي. وقد تكون صريحة تارة أخرى في رحلتها الباحثة عن جذور موحدة في واقع التشرذم والتشتت كما في رحلة العطش. شخصيات. يَلبسها وتَلبسه. ويُضمنها رؤيته فتتلاحم مع صوته ونبراته وحركاته وهو يملأ فضاء الركح ببساطة بليغة أبلغ من كل الزخرف الذي يدبج سينوغرافيا جامدة مؤثثة بحذلقة فنية مقيتة. شخصيات مفارقة باروكية تظهر في أوجه متعددة متصادمة كما في إحدى بواكر مسرحيته “الوجه والمرآة”.

قد يتحكم فيها أو تنفلت من سلطته. لكنها أصوات تمتلك إحساسها، وقوتها، ونظرتها وأحكامها. وقد نجد فيها بعضا مما نود قوله، أو ما نحب أن نفكر فيه. كما قد تخرق أفق انتظاراتنا أو تستجيب لها. تعبر بنا أطياف الماضي والتراث لتقذف نا في أتون وقائع صادمة ينسجها الواقع واللحظة التاريخية بأبعادها الزمانية والمكانية وتجلياتها الفكرية والثقافية..

هي شخصيات يريدها بأبعاد متعددة، لها أطوارها وأصواتها. تُغرّب وتُمسرح. تؤدي أدوارها المنوطة بها في تشكيل أدبي  ومسرحي من خلال الفرد المتعدد المتجسد بجسده الذي يوقع جنون العاشق المهوس بالتمثيل. وهذه فضيلة تجمع بين  الحسنيين. تحقق التواؤم بين شعرية الأدبي، وشعرية المسرحي. أدواتها بيِّنة لا تخطئها العين ولا الحسّ. تفعل وتنفعل في حركات مسرحية بأنفاس المعايشة وأصوات السرد  الذي يحول الركح إلى فضاء يتناسل فيه الكلام عبر تقنية الاستطراد والانتقال والانسيابية التي نجدها لدى كاتب عربي عظيم هو الجاحظ الذي ألهم مسرح عزالدين المدني.

شخصيات لا تمتلك بنية الشخصيات الروائية أو المسرحية الكلاسيكية بالمفهوم المعتاد. لكنها مُعبّرة وصريحة في تعبيرها. قد تُخفي هذه الصراحة أشياء قد لا نلتفت إليها. فمع كثرة الكلام قد يذوب الصمت في حرارة الحوار. لكن ما يقال قد لا يكون هو كل ما قيل. أو ما يمكن أن يقال. ومعه يتحقق الامتلاء. فهي كائنات تتحرك على إيقاع معزوفة متعددة المقامات في هارمونيا غنية بالأصوات. يديرها قائد جوقة يتقن جيدا إدارة النغمات يكتبها وينجزها ويتقمصها بمفرده في صياغة تشد المتلقي الذي يدمج في مقامات الكلام فيصبح جزءا من الخطاب الدائر وأحد مكونات اللعبة الممسرحة كما وضح حسن المنيعي.

فوراء هذا الصوت المتفرد المنفرد المتعدد  المتجول بين أفياء مختلفة يمتلك وهجا وقبسا من نار المعرفة والعرفان والملقح بالاحتجاج والسخرية السوداء والعتاب والألم الذي ينز من جراحات زمن متكلس بكل معاني الانهيار. يصنع من لغته مفارقات خطاب بارركي يتشظى كالشهب الاصطناعية.

 

مشكل التسمية والاصطلاح

فما هو عنوان هذه التجربة  التي تثير الجدل التي ما فتئ صاحبها يردد على أنها مجرد تجربة أما المولعون بالتصنيف فيردون لها عنوانا وتحديدا يمكن من خلالها إخضاعها للتنميط المعهود. أما صاحبها فيردد ببساطة أنه لا يهم فيها التسمية ما دامت تجربة تمتلك كل العناصر المسرحية.. فهي وإن عبرت عن ذاتها على شكل مسرح فردي فإنها تفصح عن تكامل التجربة. كما يوضح هو نفسه من حيث أنها منجز رجل واحد اختار مقام العزف المتفرد وليس المنفرد والبون بينهما جلي وواضح.

في هذا الإطار يثير الطاهر الطويل جملة من الأسئلة التي تثار حول المسرح الفردي منها التسمية.

فما هو المسرح الفردي وما علاقته بمسرح الممثل الواحد  والمونودراما، وعرض رجل واحد one-man-show أو مسرح مبدع واحد un créateur en solo؟

قد يبدو لأول وهلة أن هذه التجربة لها امتدادات قديمة قد ترجع إلى المسرحي الجوال أب المسرح الإغريقي ثيبيس الذي قد يكون شخصية أو مجموعة من الشخصيات التي ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد وكانوا يتجولون بعرباتهم. كما يتساءل الطاهر الطويل.

قد يوهمنا نعت “مسرح فردي” بالانغلاق على الفردانية في حين أنه مسرح منفتح على قضايا متنوعة وإن كانت من منظور فردي. وحتى لا نحسبه صوتا منفردا متجليا في نوع المونودراما التي هي صوت الهامش في احتجاجه وصراخه وتعبيراته  لكونها توحدا مع الذات، وهي تحاول إن تعيش في عزلتها مشاكل المجتمع. وتلتقط معاناة الإنسان في أي مكان ولا مكان. فمدارها هي الضغوطات الاجتماعية والحضارية وقد تحولت إلى ضغوطات نفسية فردية يعيشها المرء في أقصى حالات عزلته وتفرده .في  مجتمع  يحفل بالمتناقضات، ودفع بمجاميع كبيرة إلى منطقة ” الجماعات المطمورة” الزنوج، الأقليات المرأة. إذ تعتبر ضفاف الهامش المنقطع في عوالمه الخاصة البئيسة إحدى المتاهات الديداليوسية التي تولجنا فيها المونودراما. التي تؤدرم السرود المعيشة الحياتية   dramatisations des récits de vie.

تصبح الموندراما  بمقتضى ذلك المعادل المكافئ للمونولوغ الداخلي هذا دون أن نحصر المونودراما  في المونولوغ الدراما. وحسب دانان لماذا يتصبح الشكل المفضل مثلا للأفراد بعض الثقافات التي تحاول مجتهدة أن تثبت ذاتها في إطار إبراز هويتها والدفاع عنها؟ كما هو الشأن بالنسبة للأقلية الفرونكفونية في كندا  التي أوجدت فيها الشكل الفني الأكثر ملائمة للتعبير عن ذاتيتها.

فقد  وجد بيكيت أن المونودراما هي الشكل الأصلح له لصياغه رؤيته العبثية التي تترجم استحالة التواصل وعزلة الفرد لهذا كتب مونودرامات متتالية ومنها ما هو صامت أيضا لكنه يضم ممثلا واحدا مثل ” شريط كراب الأخير، الجمرات، الأيام السعيدة، أليس كذلك يا جو ؟ ومسرح بلا كلمات “.

المسرح الفردي ليس مسرحية الممثل الدرامي الواحد mono actor drama فقط وإن كان هذا أحد مكوناته. هو نوع من المسرح يقوم فيه “ممثل واحد بلعب وأداء مسرحية مكتملة” كما هو حال الممثل الراقص الصيني “ماي لانج فانغ” الذي تتراكب شخصيات في أدائه لكنه لا ينسى  شخصيته الخاصة

المسرح الفردي ليس فقط عرض رجل واحد one-man-show الذي يتوسل بالنكتة الهادفة

وربما تحديد “عرض مبدع واحد un créateur en solo : يكون أنسبَ لهذا النوع حتى وإن كانت مساهمة عناصر أخرى في  االعرض كما تم في عرض “كدت أره” التي لجأ فيها إلى السينوغراف يوسف العرقوبي.

فالرجل يكتب ويقوم بالإخراج وبالسينوغرافيا وقد حصل على جوائز فيهم جميعا.

 

شرعية المسرح الفردي والموندراما

الذين اعترضوا على أن المسرح الفردي والمونودراما ليسا مسرحا لخلوهما من الصراع فهو لبس مضاعف من أوجه عديدة لا أقلها أن مبدع التراجيدي الإغريقية تيبيس كان يمثل لوحده  تساعده الجوقة.

يتساءل محمد أبو العباس قائلا رغم امتداد جذور هذا النوع من المسرح في التاريخ إلى أن العودة إليه حديثا أثار ردود فعل متباينة فمن رافض له تحت ذريعة التحديد المتداول للدراما التي تقوم على الفعل والصراع. “لأن فن المسرح يختلف عن الفنون الأخرى بجماعيته”

إذ “لقي اعتراضا باعتبار أن المسرحية (المونودرامية) لا تدخل ضمن تقسيم ومسميات الأدب المسرحي لأن البناء التقليدي للدراما يعتمد الصراع عنصرا أساسا بين قوتين أو نقيضتين “[ii]

فأين الصراع في الشخصية الواحدة وهي تجسيد أفكارا من وجهة نظر واحدة؟ [iii]

مع الأخذ بعين الاعتبار الكثير من الآراء التي لا تسوغ إدراج هذا النوع من المسرح أو التجسيد الدرامي في محور الأدب المسرحي أو العروض المسرحية وهو ما يستوجب “دراسة متأنية للنماذج المنتقاة. ومن ثم معرفة الجذر التاريخي لمثل هذه الدراما[iv]

فالتشكيك في جدواها والوقوف ضدها نتيجة سوء الفهم . ولا يخفى أن هذا أن هذا النوع من المسرح يحتاج إلى أسلوب ليس بتقليدي في الكتابة. وبسبب هذا التضارب في الآراء ظل يراوح بين الرفض والاستجابة.

أما ذريعة غياب الصراع. فهذا فهم سطحي لقضية الصراع. ذلك أن الصراع له أشكال صراع داخلي فكري كما شأن أبطال مسرحيات سارتر وكامو، وصراع نفسي سكولوجي، ذهني، كما هو حال مسرح شيكسبير الذي كان ينظر إلى ضعف حبكاته أمام علو كعبه في المونولوغات الطويلة. فشخصياته تحمل صراعها في ذاتها وتعيش مشكلاتها النفسية هاملت ماكبث وعطيل الملك لير. وهو ما جعل الصراع في ذات الشخصية فشبح أب هاملت مقابل العم كلاوديوس والأم هما وجهان لرغبتين متصادمتين في  ذاتيته. حيث  تجسد اللغز في شخصية هاملت التي نظر إليها تارةً وكأنها شخصية حقيقية، وتارة كأنها تجسيد فعلي لحقائق نفسية لشخصية غير عادية هي شخصية شكسبير نفسه. شكسبير المضاعف في التضعيف الذي تعيشه شخصياته الإشكالية الرومانسية الشفافة كما شخصية عطيل الذي يجسد ياجو وساوسه، وظنونه، وبؤر الضعف فيه. أو شخصياته المعقدة التي تغرق في أتون الشيزوفرينيا والسوداوية كما ماكبث وزوجته. أو هاملت بتردده الذي لا يشكل شبح الأب غير وجه وصورة من استيهاماته التي أودت به في مهاوي التردد والجنون، وجنون شخصيات: الملك لير” من أصحاب الحق الذين ووًجدوا  في واقع موبوء بالخيانة والدسائس، فاحتموا بالجنون ليدفنوا فيه عذابهم الديونيزيوسي أو يتخذوه قناعاً كروتيسكياً يخفون تعقلهم وراء زيغ نظراته.

فأمام الرغبة الجامحة في الانتقام، وما يفرضه الواجب من شخصية نبيلة مثل هاملت التي يتوقع أن تأتي منها أفعال توافق أحكام المتلقي، هناك بالمقابل تقاعس، وتردد غير مبرر. من وجهة نظر المتلقي، وتبعاً لانتظاراته. فالمسرحية تخرق قواعد نوعها لأن فيها استطالة المونولوغات التي تبين أن هاملت يلجأ إلى الكلام بدل الفعل، وهو ما يبين أن هناك تعطيلا مقصوداً في إيقاع الحبكة، وانزياحاً يحدث انقطاعات في الخط السردي. وفي الوقت الذي تأتيه الفرصة مواتية من أجل تنفيذ انتقامه من كلاوديوس لا يقوم بذلك بحجة أن هذا الأخير في صلاة. فلا ينبغي قتله حتى لا تصعد روحه إلى الفردوس.

لا يتعلق لصراع فقط بتعدد الشخوص بل بأبعاد الشخصية وظروفها والمآزق التي تعيشها.

هل نقيس المسرح على مقاس الإرث النظري الغربي الكلاسيكي يمنح الأسبقية للنص على التمثيل، والأدبية على الفرجة، والخطاب على الإنجاز، والحكاية على الجسد. وتعاد مساءلة قلعة نُحتت من مفاهيم ومنظورات ساهمت فيها السرود الكلاسيكية، ويصبح الخطاب الكلاسيكي وامتداداته محلّ تشكيك وتفكيك. ويعوض عن مفهوم ” المسرح ” ـ هذا البنيان المصوغ بإرث من التوجيهات الأرسطية، وتأويلات القرون الوسطى عبر هوراس، وتقعيدات الكلاسيكية من خلال بوالو، وإبداعات راسين وكورني وموليير ـ بمفهوم بديل يسمح باختراق المساحات المغلقة، عبر الفضاء الخالي من خلال “المسرحة” التي تصبح مدخلاً لعبور المسرح من الأدبية إلى العمل الفضائي. هذا العمل الذي حدّدته جوزيت فيرال في كونه “سيرورة إنتاج يقوم، قبل كلّ شيء، على النظرةregard  التي تفترض، وتخلق فضاءً للآخر. فاسحة المجال لغيرية altérité الذوات ولانبثاق الخيال “[v]

أصبح التمسرح وسيلة مطلوبة لتحرير الفعل المسرحي من أسر الأدبي، ومن انغلاق النوع، ما دام بالإمكان مسرحة كلّ شيء. وهذا يعني أن الفعل المسرحي لم يعد حصراً مقصوراً على الصياغة اليونانية التي تمّت حيازتها من قبل الغرب بقانون انتقال الإرث. كما لم تعد الصياغة اليونانية للمسرح الشكل الأرقى والمكتمل الذي يجب أن يبقى ثابتاً على مر الأزمان. هذا بعدما غدا بالإمكان أن يتبلور المسرح في أية لحظة نكون فيها إزاء مُمثّلٍ ومتفرّج بتعبير بيتير بروك.

وهو ما وسع من مفهوم المسرح، وراجعه مراجعة جذرياً. ويعبر عن ذلك بوضوح قول خالد أمين: “يحتاج تاريخ المسرح، إذن، إلى المراجعة وإعادة التأويل، والكتابة باستمرار، وبالتالي إلى التحرّر من الوحدة المتمركزة المتضمنة بين سطور وصفحات تاريخ المسرح الغربي وهوامشه. ويستلزم أي نقد جدّي للتقاليد الفرجوية للتابعSubaltern ، إذن أن يعوِّض السرد الموجود بسرد جديد أو سرود”[vi]، وهو رهان صعب غير أن المحاولة تبدو مغرية ومطلوبة لتحرير نظرتنا من سلطة النموذج وقوة حضوره في رؤيتنا الجمالية. وهو ما يفصح عنه قول خالد أمين: “على الرغم من الصعوبة الكبيرة الحافة بمهمة إبستيمولوجية من هذا القبيل. وبتعبير آخر، فإنه لا ينبغي للمسرح الغربي أن يتمثل باعتباره أصلا للمسرح الإنساني، بحكم أن الوقت قد حان لإعادة اعتبار الأشكال الأخرى للتقاليد الفرجوية/المسرحية التي وجدت قبلا خارج إسار المركزية الأوربية. وعلى أفضل تقدير في الحدود الفاصلة بين الدراما واللادراما والمسرح وما قبل المسرح (مع مراعاة خصوصيات التجنيس).”[vii].

وعليه فمبرر غياب الفرجة التي تنتفي بوجود ممثل واحد جهل بحقيقة المسرح وأشكاله المختلفة. ذلك أن فن الممثل الصيني مي لان فانج “البلورة غير المنتظرة لانتظار الأساتذة المجتمعين في موسكو.”[viii] هو الذي ألهم بريخت نظرية التغريب بحركاته  في إحد عروضه ذات ليلة بموسكو كما ألم مايرهولد وغيره. وقد كان يقوم بعرض مسرحي كامل لوحده. فمدار الأمر ليس هو حضور ممثل واحد على الركح في كل العرض بل بطريقة هذا الحضور وقدرته على ملء الفضاء الفارغ، وتأثيثه بفرجة مشبعة تحقق انتظارات التمسرح.

 

وهم الأصول

هناك من يرجع أصول المونودراما إلى  ثيبيس في بداية القرن السادس ومنهم علي الراعي الذي يقول:

“على ما يسجل المهتمون  بالتاريخ للمسرح فإن المظاهر الأولىة لقيامة مسرح المونودراما سواء كان ذاك عالميا أو محليا. كانت قد بدأت مع الرجال من المسرحيين وذلك في كل تفاصيل المشهد المسرحي المونودرامي، أي من النص والتمثيل، مرورا بالإخراج والديكور وغيرذلك من متممات الفرجة المسرحية.

وعلى ما يروى مؤرخو المسرح فإن الشاعر ثسبيس الإيكاري الذي  عاش قبل الميلاد بعدة مئات من السنين كان هو الممثل الأول للمونودراما في التاريخ.[ix]

وكذلك  محمد أبو العباس.” إن المسرح منذ النشأة الأولى قد اعتمد على المونودراما ومن يقرأ تاريخ المسرح لا يغفل ( عربة ثسبس).[x]

وماري كلودهوبرMarie-Claude Hubert فيرى أن المسرح بدأ فرديا على يد شاعرThespisالذي كان يلقي قصائده المكتوبة مصحوبة بالرقص، “وكان ذلك حوالي 505 قبل الميلاد،

لكن هذا ربما فيه لبس

صحيح أن كل المشيرات تذهب إلى أن ثيبس أوجد الممثل إلى جانب الجوقة فتحولت بمقتضاه الأغنية الديثورامبية إلى دراما.تمثيلية  حيث كانت أول مرة تقف الشخصية نفسها ” أمام الجمهور وتمثل  وقائع الحدث التي تريد أن تطلع الناس عليها. وهذا هو أساس الفكرة الدرامية ككل  من حيث كونها محاكاة فعل عن طريق تمثيله فكان  يتخذ هيئتهم بالتنكر ويقمص شخصيتهم بالحركة والكلمة ويعبر عن مشاعرهم. فلا غرو إذن أن يعتبر ثيسبيس لدى القدامى والمحدثين خالق فن التراجيديا”[xi].

وكان مسرحه بسيطا يقدمه ببرولوغ يحتوى على شرح تمهيدي للحبكة يتلوه الممثل على الجمهور واقفا في مقدمة المنصة يتلوه حديث فردي (مونولوج) بعض أغاني الجوقة التي تؤديها أمام المنصة مصحوبة بالرقصات المناسبة. وفيما بين الأغنية والأغنية يظهر الممثل من جديد بعد أن يكون قد غير ملابسه وقناعه.[xii].

إلا أن يكون أصل المونودراما فهذا القول فيه شيء من اللبس الذي  يجب أن يوضح   من ذلك أن كلمة ممثل  في اللغة اليونانية hypokrites))  كانت حينئذ تعني المجيب  ” لأن عمل الممثل الأصلي كان آنذاك يتمثل في أن يدخل في حوار مع أفراد الجوقة بأن يجيب على أسئلتهم. ومن الواضح أن هذا التعديل يهدف أساسا إلى زيادة الأجزاء الحوارية التي كان قد أوجدها آريون-أو غيره”.[xiii] ونحن نعلم أن الجوقة أو قائدها كانت  أشبه بالممثل  وكان على عاتقها السرد والتعليق على الأحداث وشرحها للجمهور وإعطاء إفادات والحوار مع الممثل. كانت بشكل أو آخر ممثل في أجزاء كثيرة من العرض على الأقل من خلال الحوار.

إلا أن مسرحه كان أشبه بالمسرح الفردي لأنه كان يقوم بكل المهمات من تأليف وتمثيل واعداد مستلزمات العرض المسرحي  فثيبيس كان يقوم بدور »ا لممثل «في مسرحياته إذ ظهر ليلعب أدوار الشخصيات العديدة التي قدمها على التوالي. واستطاع أن يفعل ذلك بفضل لجوئه إلى تغيير ملابسه كما كان يغطي وجهه إما بالرصاص الأبيض أو بنبات الرجلة. ولكنه لم يلبث  أن اخترع القناع الكتاني.” [xiv]  وهذا تقليد سار عليه من تبعه مع استثناءات منها سوفوكليس بالنظر إلى صوته الرخيم الذي لا يستطيع أن يوصله إلى الجمهور.

 المسرح الفردي  من وجهة نظر صاحبه الذي يقر بصعوبة هذه التجربة

يقر عبد الحق الزروالي بصعوبة هذا النوع المسرحي . ولهذا السبب لم تنتشر تجربة المسرح الفردي، لأنه قد نجد ممثلا جيدا بيد أنه يحتاج إلى من يكتب له، وقد تجد ممثلا جيدا يحتاج إلى من يكتب له: وقد تجد كاتبا جيدا ليد أنه يحتاج إلى من يخرج له، وقد تجد مخرجا جيدا يحتاج لمن يؤدي الدور المسند له.

يتعين على تجربة المسرح الفردي أن تقوم على التكامل، بمعنى أن مفهوم المبدع الشامل في الغرب هو القمين بإنجاحها. فالعملية الابداعية في المسرح الفردي تولد متكاملة، إذ لا يمكن أن نكتب نصا في فترة زمنية ما، ليتم إخراجه أو تمثيله في فترة زمنية أخرى. فهي إما أن تولد بكل مكوناتها  وعناصرها أو ستظل تجربة مفككة في جوهرها.” كما يورد في أحد حواراته في برنامج “مشارف” .

وفي هذا البرنامج يقر بأن الذي ينتج المسرح هو العمل المتكامل يقول: ” أنا لا أعترف بوجود كاتب ومخرج وممثل ومصمم أزياء وغيرها من مكونات العرض المسرحي، ما يهمني هو أن نصل بالمبدع المسرحي إلى الإلمام بكل هذه المكونات حتى يعطينا مسرحا تتكامل غيه العنصر بشكل إجرائي يهدف إلى تخفيف العبء عن التخصصات”

رائد المونودراما في الوطن العربي  انطلقت مغامرته  منذ سنة 1976 بمسرحية الوجه والمرآة،  وجنائزية الأعراس  ورحلة العطش، وعكاز الطريق وبرج النور، وسرحان المنسي، وزكروم الأدب، ونشوة البوح. وإن سبقتها مسرحية “ماجدولين” سنة 1967 مع أنه لا يعتبر محاولته تلك تدخل في هذا الإطار، ويقر بأن “التأريخ لتجربة المسرح الفردي أو مسرح الممثل الواحد بدأ سنة 76-77 مع المهرجان الوطني الأول للمسرح الفردي”  ويشير إلى المسرحيات التي أفرزتها الممارسة خلال الثلاث سنوات السابقة عن المهرجان هي “الزغننة” لمحمد تيمد، “شريشماتوري” لنبيل لحلو، “الزيارة” لعبدالكريم السداتي، “الحرباء” لحوري الحسين، و”الوجه والمرآة” لعبد الحق الروالي. ويذهب محمد أسليم إلى اعتبار أعمال أحمد السنوسي وبنياز تدخل في هذا الإطار . كما أن هناك إشارات إلى تأثره بمن سبقوه، أمثال محمد تيمد في “الزغننة” وعبدالكريم برشيد في “الناس والحجارة” والمرحوم حوري الحسين في”الحرباء” و”السباق” ومحمد قاوتي في “اندحار الأوثان” وقد تخلى العديد من هؤلاء عن التجربة ليتركوا المجال لعبدالحق الزروالي ليواصل المسير ويحقق تراكما كميا جعل اسمه يقترن بالمسرح الفردي بدون منازع. وما يمكن استنتاجه عموما، من الكثير مماقيل، حول مسرح الممثل الواحد، في المغرب، إنه خرج من رحم مسرح الهواة، في سنوات الستين، فهل كانت ولادته ناتجة عن تطور طبيعي لهذا المسرح في المغرب ؟ وهل يمكن تناوله باعتباره ظاهرة ؟ أو تيارا أو اتجاها مسرحيا ؟[xv]

أو تجربة ممتدة على نسق واحد على شكل حلقات مسلسل واحد بمقاسات وأبعاد واحدة. يحضر فيها الزروالي بشكل الذي لم تغير من ملامحه الوجودية والفكرية الزمن. وبأسلوبه في الأداء، ومقاماته الصوتية والأسلوبية المؤسلبة.

يلخص رجل واحد لمدة أربعين سنة تجربة طويلة ومستمرة في العمل المسرحي الفردي مع انفتاح على العمل المشترك بالاشتغال مثلا مع السينوغرافي المتميز يوسف العرقوب، وعبد المجيد هوس، والمرحوم بوعود، والمخرج عبد الكريم شداتي.

ويبقى السؤال هل استطاع الوروالي من خلال مسيرته مع هذه التجربة اختراق النمطية والاجترار في الكتابة والأداء. وهو تحدي وصعب؟ هل استطاع أن لا يكرر نفسه.؟ولا نتحدث عن اختلاف الموضوعات التي لا يمكن وحدها أن تصنع مسرحا من خلال أبجديات العرض والأداء؟

لقد عرفت تجربته نقاشا منذ السبعينيات كما طرحت قضية التسمية المونودراما، أو السرح الفردي  أومسرح الممثل الفردي  أومسرح شخص واحد.بإلحاح..

تجربة ممتدة يمكن أن تصنف في مسرح الممثل الواحد باعتبار أن هناك كاتب وهناك مخرج وهناك ممثل. إطار هذا التقسيم أنسب تسمية هي مسرح الممثل الواحد يقدم مجموعة من الأشخاص لوحده.

تردد الزروالي  بخصوص التسمية في برنامج مشارف أن أنسب تسمية تناسب تجربته هي المسرح الفردي على اعتبار أن التجربة لديه تولد متكاملة فهو يكتب تمثيله بإحساس المخرج والممثل الساكن فيه ولا يمثل إلا تجربته وقد انكتبت بكامل تفاصيلها لديه. وفي برنامجFBM . من إنتاج MED1  يصرح لمحاوره بلال مرميد بأن تسمية المسرح الفردي هي تسمية وليدة خطأ البداية حين أطلقها عليها عام 1976. وينعتها بمسلسل تجربة المونودراما عند عبد الحق الزروالي. في كونها تسير على الوتيرة ذاتها وتساير إيقاعات المقام الخطابي نفسه.

الاعتراض

قوبلت تجربة الزروالي بالرفض  كما يصرح من البعض لأن هناك من يرفض تسمية المسرح الفردي انطلاقا من فهم المسرح بكونه عملا جماعيا. وهذا من منطلق دعوة للتمسك بالعمل الجماعي

وهناك من رأى فيها ظاهرة مرضية في السبعينيات. لكونها تجربة تخرق مجال العمل الجماعي  ويستجيب أصحاب هذا الحكم . لأصداء المسرح الطليعي الذي تفجر بعد ثورة ماي  1968. في مسارح عالمية مثل المسرح الحي Leving Theatre الذي ناهض مسرح برودواي. واعتمد على الارتجال وإشهار التمسرح والتأليف والإخراج الجماعي وتوحيد المسرح بالشعر، إذ شكل ذلك روح العصر حينها في بحر السبعينيات L’air du temps.

 

غياب الدعم هزالة المنح وغياب العمل الجماعي.

استمرت هذه التجربة رغم كل التحديات وأوجدت لها جمهورا في مناطق مختلفة محليا وعربيا. ولم تمت. بما تحمله من قيمة فكرية وفنية وأيديولوجية. رحلة العطش عرضت 84 مرة.

وبعضها حصد جوائز مثل “كدت أراه” التي فازت في المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي بمكناس 2003 بجائزة أحسن نص، وأحسن سينوغرافيا، وأحسن ممثل. وتمثل نضجا فنيا في  نسق هذه التجربة المتواصل.

 

ملامح بارزة

ـ السرد: من الملامح البارزة طاقة الممثل في الحكي وفي الاسترسال  والقدرة على احداث مفارقات كلامية في الخطاب والانسيابية في السرد، مع استغلال طاقة الكلام والحكي ومقامات الحوار، والسرد، والكلام الذي ينفتح على آفاق متعددة اجتماعية سياسية ونفسية، وطنية وقومية. وهو ما يؤشر للطابع الأدبي للعروض.

ـ البعد السمعي ( الخطابة والإغراق في السرد): أغلب التجارب العربية التأصيلية ركزت على الحكي، والسرد من خلال اعتماد صيغ تراثية: من سمر، وحلقة، ومداح، وحكواتي، وتوظيف الأغاني، وحلقات الذكر، وفنون القول مثل الاستطراد الذي لجأ إليه المبدع عز الدين المدني. وهذا يتماشى مع خصوصية الذاكرة العربية. فإذا كان للغربيين ذاكرة النص الدرامي المتبنين على إرث عظيم من النصوص الدرامية التي يقوم عليها مسرحهم على امتداد التاريخ، وللشرقيين ذاكرة الجسد الذي استهوت لغته الهيروغليفية أبرز رواد المسرح من طليعيين وتجريبيين بدءاً من أرتو إلى باربا ومنوشكين، فإن للعربي ذاكرة الحكي والقص والسماع. وهذا ما يجعل هذا النوع من العروض يلقى استجابة من الجمهور. لأنه يخاطب ذاكرتهم

ـ حضور التراث.: يمتح الزروالي من التراث الشعري والحكائي والصوفي. يمسرحه كما مسرحيته “كدت أراه” التي فيها انفتاح على العمل الجماعي ساهم فيه يوسف العرقوبي السينوغرافيا وأغاني وموسيقى  الدرهم. إخراج محمد الغرملي، ومصمم  الديكور ومهندس الإنارة. إذ يلجأ فيها الزروالي إلى مسرحة كتاب المواقف والمخاطبات لمحمد عبد الجبار النفري الذي عاش سائحا طوافا مجهولا لا تستقر به أرض ولا يهدأ له قدم أو حال أو مقام. وفي هذا المقام يمسرح المقام الصوفي إلى أعمال منها شعرنة النفري في شعر أدونيس، ومسرحية الحلاج مع صلاح عبد الصبور، ومسرحية أبو حيان التوحيدي. للصديقي. يحاول فيها التعبير من خلال رمزية النفري عن  الغربة المضاعفة غربة مكانية وغربة زمانية وغربة ناتجة من إيغاله الرمزي في أعماق التجربة الصوفية والوجد. وربطها بالواقع.

ـ طاقة التصوير: كما يمتاز بطاقة التصوير من خلال الصورة المجسدة بأوضاع الجسد الذي يشغر لوحده مساحات الركح، وأبعاده مستعينا ببعض الأشياء المسرحية، وسينوغرافيا ثابتة، ولباس يتخذ أشكالا مختلفة حسب طبيعة الشخصية ومقام الكلام.

ـ اللغة المقعرة: يعمد الزروالي في تجربته إلى تطويع اللغة الفصحى وشعريتها التي يخرقها بالعامية المغربية محدثا نوعا من التقعير الذي يقصد خلخلة سياق النص من خلال إدماجه في المعيش ووضع قنوات الاتصال بينه وبين الجمهور من أجل تقريب رمزية النفري الفلسفية الصوفية وتوجيهها نحو مقاصد متعلقة بالمعيش. مزاوجا بين بلاغة الخطاب الصوفي ومن خلال الاستعارات، والرمز والالتفات. وبلاغة العرض، والأداء الفردي. الذي يطعمه بأجواء رمزية إيحائية. مع اللجوء إلى السخرية والتهكم والمفارقات الذي تثير الجمهور. ويقوم من خلالها إلى توجيه الخطاب في أنحاء ومقاصد مختلفة جماعية وشخصية.  ذاتية وغيرية.

ـ تنويع المقامات الخطابية يلجأ الزروالي إلى التنويع في المقامات الخطابية من الجمل القصيرة الموحية إلى السرد الطويل، ومن المناجاة إلى مخاطبة الجمهور. والحوار الذي يقوم به من خلال المحاورات، والغناء.

ـ الصوت الفردي المتقمص الذي يلخص العام ويتقمص هموم المجموع في كل مكان ولا مكان وفي كل زمان ولازمان محدد أكثر من الخاص من هنا يحدث نوعا من القطيعة مع الصوت المنفرد الذي يُؤدرم  dramatisé يقوم على استدعاء إشكاليات الإنسان والواقع.

ـ السينوغرافيا الرمزية التي تؤثث الركح، وتساهم في وضع المتفرج في جو غريبي بعيد عن استنساخ الواقع.

ـ الموثرات الصوتية ، والإنارة اللباس والأشياء المسرحية. التي تعمل على إضفاء طابع التمسرح على العرض.

ـ الحركة القدرة على الحركة من خلال ملء الفضاء، وصناعة تمثيل .بواسطة الأداء النمطي.

خلاصة

حسنا فعل الطاهر الطويل الذي وجه الأنظار لهذه التجربة التي تحتاج إلى أكثر من نقاش. لما تمتلكه من قدرة على صناعة العرض والفكر والأداء بالدرجة التي تقدم ذاتها في صورة أدبية لا يخطؤها الفهم.

[i]ـ عبد الحق الزروالي : تجربة مسرحية بين صرختين.  شهادة ضمن الثقافة المغربية .ملف المسرح المغربي. ع8. ماي 1999.ص149

[ii]ـ ـ المونودراما مسرحية الممثل الواحد . تجارب المونودراما في المشهد المسرحي العربي. محمد أبو العباس. .الناشر. العبيكان ط1   1431ه/2010. ص 10 عباس

[iii]ــ  نفسه ص11

[iv].  ص11 نفسه ـ

[v]  ـ الشخصية في المسرح المغربي بنيات وتجلّيات. عزالدين بونيت. منشورات كلية الآداب جامعة ابن زهر الرسائل والأطروحات 2/1992

[vi] ـ الفن المسرحي وأسطورة الأصل.ص57

[vii] ـ الفن المسرحي وأسطورة الأصل ص 57

[viii]  ـ نفسه ص 119

[ix]ـ المونودراما ومبدعات المسرح السوري. علي الراعي. من مجلة ” الحياة المسرحية ” التي تصدر عن وزارة الثقافة -مديرية المسارح والموسيقا. سوريا العدد 88/89.

[x]ـ المونودراما مسرحية الممثل الواحد. سبق. ص11.

[xi][xi]ـ الشعر الأغريقي  تراثا  إنسانيا وعالميا.. أحمد عثمان. عالم المعرفة ع 77. مايو 1984. الكويت.

[xii]ـ نفسه 187/188.

[xiii] ـ كتاب الشعر الإغريقي. 186

[xiv]ـ نفسه.

[xv]المسرح الفردي في المغرب.عبدالواحد عرجوني . مجلة أقلام الثقافية.
الربط
http://archive.libya-al-mostakbal.org/Thaqafa/july2008/abdulwahed_arjoni_160708.htm

..

ذات صلة